رأيت غير ما أرق
أن السحابة الرؤوم التي تعلقت بها
منذ المخاض المتطرف
لوليد في الثلاثين
و هي تمرجحني لاهية
تفلتني يدها فجأة
و في المسافة ما بين العلياء و الحضيض
أسبح في الخواء أحاول التشبث
أكثر خوفي ليس الارتطام
بل أن يستحيل بعدها الارتداد إلى العلياء
في كل مرة تتسع دائرة الحلم
أراني شعرة ضائعة في قش منذور للريح
أفتح ديوان قصائدي إليها
أرتلها كآخر ما يباهل به المنتفض
علها تشفع لي لدى الهاوية
فتكون علي بردا وسلاما
و أعاقب أفعال الماضي على نقصانها
أكملها بتجسيد اللوحات العتيقة صحوا
فإذا المحال الذي لم تسطعه ريشة الاقدار
يفتح لها النوافذ على المروج الخضراء
و يحملها لبين شواهد الدروب
كي تعيد تمثيل المعجز على مقاسات الممكن
فلا يبدو على هيئة الماضي
ضربا من خيال فهوى
.
ظل رمشيها الاخضر
يمتد لما وراء حدود البصر
كظل دوحة جليلة
تغالي بورفها حد البطر
أسير و أسير
و أنا أسير ظل أخضر
يتراكض أمامي كسرب فراش أخضر
يبحث عن منبع اخضراره
إن ملت مال
إن انبطحت انداح
و حين آوي إلى فراشي الحميم
يفتح في داخلي أرخبيلا أخضر
أبعدني عن الزحام
عن ضجيج الارصفة
عن ضيق الممرات
أخشى على ظلها من وطأة العابرات
من انكماشات الزوايا
من المسالك المنغلقة
و حين لا يكون بد
أطويه كأعز الاسرار
لحين جلوسي على أفق رحيب
بعيدا عن غوايات الزليخات
فأنشره فيئا عطرا لعصافيري الحالمة
هي الورد
و الورد وحده يصنع الظل الاخضر
لانه لا يعترش إلا العشب الاخضر
هي درة نفيسة
و الزمرد وحده يبكي الضوء
أول نظره يخضر بصيصه
و هي الالق الحكيم
و الخِضر رجى الانبياء صحبته
فما اسطاعوا صبرا
أن يقتل و يخرق أو يطلب أجرا
وحدها الصحراء أدركت حكمته
فاخضرت ذاكرة رملته
و البحر شرب من فنجانه
فاخضرت أمواه خلجانه
لي في رفقة ظلها
صبر أيوب صدق رؤياه
و مناجاة ذا النون
ليس يحتاج قبسا في الظلمات
فالشمس من صدره تضوت
فاشرأب اليقطين من كل التلال
يعرض أخضر الظلال
هل يلزم الظل ضوء يتقمصه
فهي نور الصباح و قمر المساء
لا أوقاتي في التحنان
تعتل من لسع العقارب
لا فصولا يتعبها الدهر
فتغير جلدها لمسميات أخر
فهي الربيع
و كل الشهور أبريل أخضر
.
سعديك أي حرف
ما تزال بحرا تلاطم صوب ضفافها جملك و جميلك
فتتهاوى من علٍ القلب لسفوحها عباراتك و عبيرك
تنام بمناقير العصافير المغردة تخلدها لحنا في أحلامك
و تصحو مراهنا كالشهرزاد على ديك لا يخذل حكاياك
قيثارتك يافعة من ألف وتر كلهم يجيدون عزف مقاماتك
سعديك تلبي دعوة ساعدي الشوق يضمها لأحضانك
فتريق لها إدمانك المحبب راحا و قربانا لارتوائك
حرفا فحرفا توشم الابجدية بحناء يخلد فتنتها و افتتانك
أليس بها تعبق و لها تتألق
أكتب عليها و فيها و لها و إليها
و منها أيضا و لا غرو
فليس غير جورية الصفات يرقيك من شتاتك
و يزخم فرط اللهفة ليبلغانك أوج انتشائك
ليس غير سحرها المهيب المنزل مع بصيص القمر
و عبقها الطاغي يدفيء كأشعة الشمس شتائك
و ليس غير تهيام صاحبك الممهور بالجنون
يساورك لتقترف هذيانه و تفرغ حمحماتك
فاقبض سادنا قويا على الراية الوردية إلى آخر الرمق
و تسالني أي ملاك هذا الذي يبكيك
أنت البريء من آه العشق و إن كتبته
كلما تهدهد في شجن أذرفت عني
و ارتعشت بين يداي تلبي ما تؤمر
قد نهيتك آنفا أن السؤال محرم
فشكرا لك الوفاء أن تعتب تقول
هيت لك نحري أرقه عبيرا لمن تعشق
.
الصحراء عزيز قوم أذلها الماء
فحمص رملها السراب
ما يقال أنها في الاصل رجل عطوف حالم
شعره غابات صنوبر و سرو و خيزران
و شواربه عشب مختلف ريان
تطاول يوما فعشق حورية من قبائل السحاب
لمحها ذات صبيحة مطيرة تنقر أوتار القزح
فيتساقط اللحن حنونا ينشر الفرح
مزق كل أتوابه أشرعة للابحار إليها حتى تعرى
فبدأ يبري أشجاره أقلاما ليكتب إليها قصائده
و يقص خيزرانه نايات ليسمعها أناشيده
حتى غزاه الصلع
فعكف على شاربه يقلمه
ليفتل منه ريشات لرسومه
لم يشعر بهيئة تصحره إلا و قد بدأت السحابية بالشكوى
أين الحرف أين النشيد اين المعتاد من النجوى
و لما لم يجد من حيل يجدي
غير رسوم على الاطلال و الكتبان يهدي
عاقبته الحبيبة المطرية بالجفاف الابدي
مذاك و هو يرسم في خضم العطش
صورا للارتواء غاية في الجدل
ففي عرف الصحراء و قد انتفي الماء
تغدو الحورية غزالا
لذلك طفق يرسمه ورديا يطبطب على الورد
و الورد منعما يسكب له رحيقه
يرسمه رشيقا عزيزا في ذمة الفرح
و البسمة خصي أرستقراطي منتش
لا يستوعب ما يفعل بمسكه
و وسيما أنيقا على نبع رقراق
الماء يمد راحتيه ليسقيه
و يرتشف بعدها من شذاه
يصور الخضرة تسقي الماء
و الماء يستنشق الورد
كل اللوحات تجلي الغزال مزهوا برواءه
كل جميل يتغنج له
كالقمر يلاطم النواميس بانزياحاته
كل نضيد منجذب نحوه
وفي الزخم يستثنى الرجل الصحراء نفسه
هل لانه يغار عليه منه
جدلية تضج في أروقة العطش
بعدد حبات الرمل تتعدد
و بعدد هبات الريح تتشكل و تتجدد
/
أترى ما يزال متسع للحلم
في هاته الصحراء الموحشة
و قد سف رملها
انقعر نخيلها
هج غزالها و طيرها
و لا تنبؤات لاخبار الطقس
بسماء تتلبد
أو غيوم بعيدة تبشر بالمطر
مذ جف العشب على شبابيكي
و الحلم الذي كان طوق ورد
الكان ينام قرير الصحو في الخلد
ويبش على محيا الايام الابتسام
مذاك و هو حكاية من ملاحم المحال
تستنزف أنفاس الرجاء
و تقود حتما صوب الهباء
و كنت أخالني و إياها شمعتان
و إن على شمعدانين ومشكاتين
شمعتان بشعلة واحدة
تحمران تتوردان تذوبان
فيلتقي سلاف الصهير المطهر على سطورنا
همسا يعبد الرمل تحت حلمينا
يوحد القلبين في تنهيدتين لا ثالث لهما
يعدم المسافة ما بين النبضين بدون معادلات أوعقد
كم كان المدى وقتداك مشبعا بالامل
مخضلا بالمسك
و مخضرا كالربيع
ما زلت أذكر البداية
جاء إلي صباح ما بطيف من الجمال
نبذته في الروح كآية في الكمال
نفخت عليه بكل ما أوتيت من تحنان
رقيته ضد الاحزان
على عاتق الحرف و بأكف الورد
أنضجت إليه الخاطر و القصيد و الابتهال
حتى هجرت وسائدي من أجل ان أنام في عينيه
قبل أن ينأى عن جانب ضلعه الايسر
فتسلل إلينا خناس مجهول الهوية
أقام بدل المرصوص صروح الظن
غلف بالشمع الاحمر حبال الوصل
و أذاب العسل مهراقا لذببة الريب
حتى زحفت كلها بنهم
لانقاض عسل بقطب تجمد
بين الشفتين يزرع الريق مسماها
في الوريد عطرها نعار بالشغب
بين العينين تتركمج عيناها بصخب
فمن أي آلاء غياب أشتكي
و جل لحظاتي متن لها و ظهر
كل الخاطر لها علنا و جهر
فبأي آناء الصحو أفتقدها
و بأي آلاء الغفو أستوحشها
و كل الدم يدور على نفسه
و كل العروق
كما تجري العادة
توصل الى القلب
هل هي العادة أن كمال الحب
شبيه باكتمال البدر
يحرر ناصيته من الغبش لليال عشر
ليكتنف شماله ضمور بطعن الهجر
أو مثل أبريل على حافة الحر
تنقضي دروة الزهر
بتمخض الدورة الربيعية عن العطر
لاحقا تتناوشته فخامة القوارير
إن كان الحب كالقمر كالورد خاضعان لاعادة التدوير
فلتغلقي أيتها النايات عيونك عن ترقب الاثير
و كفي الله المؤمنين شر القتال
و كفى الغياب العاشقين حر الوصال
.
يترجل الفرح عن أساريره
متسكعا بين الشفتين
يراوغ طيش الابتسام إذ يتذكرها
فمع اسمها ترقص البهجة ببداهة البداهة
ككرنفال ربيع نهاراته خضر
و لياليه حمر
الطين على الارض لا تؤمن بوائقه
و الرمل الذهبي ينسى ما إن يصيبه وابل
تطايره المهدم لاثرات الشجن
و السهر الصاخب في زبى الحلم يجامل الوسن
يقول ما أكفر وفاءا لم يحترس من رجس الهجر
أشتاق رائحة الحرف بلله توا همسها
فتنداح إلى نداوته يرقاتي من كل فج عميق
لتذوق الرحيق المغموس في رضابه
و كم أشتهي القصيد بنافذة تطل على مروجها
فأوقف التأريخ و التقويم بأمر
مثل يوشع أوقف الشمس ذات عصر لدهر
للوفاء الذي اختار مزاولة الرحيل
و فضل التنظير بعيدا عن مروج تالودات
للذي هجر أشجار اللوز و البرتقال
و بدله بحب الرمان بين القتاد والادغال
له أقول أنني ما أزال أحافظ على مفطور العادات
ما أزال كل صبيحة أنضج بلهيبي العنب
أرصص كل ليل ما بين النجوم بعينيك
أنفخ تناهيدي و أنتف زغبي الناعم
علني أصنع لك أريكة من القمر
/